ويقول إن التجمعات الكبرى للمدنيين من مجموعة عرقية أو دينية بعينها يجعلهم أكثر عرضة للهجمات العرقية.
وأضاف أن هناك أيضا خطر اختلاط عناصر من المقاتلين بالمدنيين، ما يحول المناطق الآمنة إلى أهداف عسكرية مشروعة. وأن المدنيين خارج المنطقة الآمنة قد يعتبروا "هدفا مشروعا".
وفي الكثير من الحالات، ثبت أن المناطق الآمنة قد تكون مصدرا للخطر. ورغم وجود بعض الأمثلة الناجحة، إلا أن هناك حالات كانت فيها هذه المناطق سببا في إزهاق الأرواح بدلا من إنقاذها.
ويقول بن شمسي إنه "بالنظر إلى التاريخ، يندر رصد منطقة آمنة داخل منطقة صراع، وكانت آمنة بالفعل".
أحد أشهر الأمثلة على فشل المناطق الآمنة كانت في حرب البوسنة عام 1995، بين الصرب من ناحية، ومقاتلي البوسنة المسلمين الذي أرادوا انفصال البوسنة والهرسك عن يوغوسلافيا. وفي أوج الصراع، عام 1993، أعلنت الأمم المتحدة عن ست مناطق آمنة تحرسها قوات حفظ السلام.
وكانت أحد هذه المناطق في مدينة سربرنيتشا، حيث لجأ الآلاف من المسلمين للمأوى الأممي.
وبعد سقوط المدينة، إثر هجوم من صرب البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش، استسلم أفراد قوات حفظ السلام. وانتهى الأمر بقتل ثمانية آلاف رجل وفتى من المسلمين البوسنة على أيدي الصرب، في ما يُوصف بأشد مجزرة دموية في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتقول لين معلوف، رئيسة أبحاث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية (آمنستي) إنه "عند تحديد مثل هذه المناطق بدون أخذ فكرة الحماية في الاعتبار، قد تكون النتائج كارثية".
وتكرر حمام الدم نفسه في رواندا، أثناء الحرب الأهلية عام 1994. فبعد القتل الجماعي لأقلية عرقية التوتسي على يد المتطرفين من عرقية الهوتو، تدخل الجيش الفرنسي بدعم من الأمم المتحدة. وحدد الفرنسيون منطقة آمنة لحماية المدنيين المهجرين.
وعند انتهاء الصراع عام 1994، اقتحم الجيش الموالي لحكومة التوتسي التي تولت مقاليد البلاد معسكرا للاجئين في المنطقة الآمنة بغرض فضه، حيث اشتُبه في اختباء أفراد ميليشا هوتو ممن شاركوا في المجازر.
وارتكبت القوات الحكومية مجزرة، انتهت إلى مقتل المئات من المهاجرين باستخدام الرشاشات الآلية والقنابل اليدوية. ومرة أخرى، ثبت فشل قوات حفظ السلام في وقف القتال.
وتكررت النتائج نفسها في سريلانكا، حيث خاضت الحكومة حربا أهلية استمرت 26 عاما، ضد مجموعة نمور التاميل المتمردة.
وفي عام 2009، مع اقتراب نهاية الصراع، طلبت الحكومة من المدنيين اللجوء إلى مناطق آمنة. لكن الأمم المتحدة اتهمت الحكومة بالاستمرار في قصف المناطق المدنية، بما فيها المناطق الآمنة. ونفت الحكومة استهداف هذه المناطق، وقالت إنها كانت ترد على إطلاق النار من قبل المتمردين.
ويقول بن شمسي إن الآلاف ماتوا "كنتيجة مباشرة لإعلان منطقة آمنة".
وعلى النقيض، ثبتت فعالية مناطق حظر الطيران في شمال وجنوب العراق، إذ أنها نجحت في حماية الأكراد والشيعة من بطش قوات صدام حسين.
لكنها تفقد شرعيتها الدولية بدون موافقة مجلس الأمن، كما أن مدى نجاحها في إنقاذ الأرواح كان محل تساؤل. فعند إقرار مناطق حظر الطيران، اتُهمت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بقتل مئات المدنيين العراقيين أثناء عمليات القصف.
وفي ضوء هذه الأمثلة، فإن تاريخ المناطق الآمنة جدلي. وتختلف تبعاتها ونتائجها. ويتفق الخبراء على أن النوايا الحسنة لا تفضي بالضرورة إلى نتائج جيدة.
وتقول ستيفاني كابلر، أستاذ حل النزاعات في جامعة دُرَم، إن ذلك يرجع "لتعقيد الأهداف من وراء تحديد مناطق آمنة".
وأضافت : "فالهدف من إنشاء مناطق آمنة نادرا ما يكون إنسانيا تماما. فهي عادة ما تهدف لحماية الدول القوية من تدفق اللاجئين، أو كمسوغ لإعادة طالبي اللجوء إلى مناطق الصراع".
وأكملت "وبالتأكيد هناك زاوية سياسية بحتة لتحديد من يمكن أن يكون ضحية حرب، ومن يُعتقد أنه يستحق الحماية".
No comments:
Post a Comment